يقولُ لكَ اللَّهُ: لِمَ صَدَّقْتَنِي فيما مدحتُ به نفسِي، وأثنيتُ به على نفسِي، وأنزلتُه في كُتُبِي مُعَلِّمًا خَلْقِي أن يَمْدَحُونِي به؟! لا يقولُ لكَ: هذا أبدًا، ولا يقولُ لكَ: لِمَ تقفُ عند حَدِّكَ، وتقرُّ بما لا تَعْلَمُ؟ لأن اللَّهَ يقولُ: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} بل هي كُلُّهَا طرقُ سلامةٍ محققةٍ.

وَاعْلَمُوا أيها الإخوانُ أن أولَ البلايا ومنشأَ الرزايا كُلِّهَا من أنجاسِ القلوبِ بسببِ التشبيهِ، كُلُّ البلايا منشؤُها الوحيدُ بسببِ أنجاسِ القلوبِ من أقذارِ التشبيهِ. هذا أصلُ البلاءِ والمحنِ والفتنِ الذي طَبَّقَتْ وَجَلَّلَتْ هذه المعمورةَ؛ لأَنَّ السلفيَّ - مثلاً - العاملَ بضوءِ القرآنِ، إذا سَمِعَ اللَّهَ يُثنِي على نفسِه بصفةٍ من الصفاتِ التي أَثْبَتَهَا لنفسِه، سواء كَانَتْ صفةَ ذاتٍ أو صفةَ فِعْلٍ، كقولِه: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الفرقان: آية 59] امتلأَ قَلْبُهُ إجلالاً وتعظيمًا وإكبارًا، وَعَلِمَ أن هذا الاستواءَ الذي أَثْنَى اللَّهُ به على نفسِه في سبعِ آياتٍ من كتابِه أنه بالغٌ من غاياتِ الكمالِ والجلالِ والتنزيهِ والتقديسِ والمباعدةِ عن صفاتِ المخلوقينَ ما يقطعُ جميعَ علائقِ أوهامِ المشابهةِ بينَه وبينَ صفاتِ المخلوقينَ. أما إذا كان قلبُ الإنسانِ فيه بعضُ أقذارِ التشبيهِ فأولُ ما يسبقُ إلى ذهنِه أن هذا الاستواءَ ظاهرُه استواءُ المخلوقاتِ - سبحانَ اللَّهِ وتعالى عَمَّا يقولُ الظالمونَ عُلُوًّا كبيرًا - فيخطرُ في ذهنِه أنه انتصابٌ كانتصابِ هذا، فَيَتَقَذَّرُ القلبُ من أقذارِ التنجيسِ والتشبيهِ، فعندَ ذلك تأتِي البلايا، وبعدَ ذلك إذا قال: ظاهرُ هذا هو مشابهةُ صفاتِ المخلوقينَ جاءت البلايا من هنا، ثم إنه دَعَاهُ شؤمُ هذا التشبيهِ إلى أن ينفيَ هذه الصفةَ عن اللَّهِ، وَمَنْ يَنْفِي عن اللَّهِ وَصْفًا أَثْبَتَهُ لنفسِه فهو «أَجْرَأُ من خَاصِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015