وقد قَدَّمْنَا في هذه الدروسِ مرارًا (?) أن البشارةَ في لغةِ العربِ هي الإخبارُ بما يَسُرُّ، فكلُّ مَنْ أخبرَك بما يسركَ فقد بشَّرَكَ، وبَشَرَكَ على اللغةِ الأخرى، وأنه يُطْلَقُ أيضًا على البشارةِ بما يسوءُ، فالعربُ أيضًا تُسَمِّي الإخبارَ بما يسوءُ (بشارةً) إذا اقترنَ بما يدلُّ على ذلك، وهو كثيرٌ في القرآنِ، كقولِه: {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: آية 34] وقد ذَكَرْنَا أنه أسلوبٌ عربيٌّ معروفٌ. تقول العربُ: «بَشَّره بكذا». إذا أخبرَه بما يسوؤه، ومنه قولُ الشاعرِ (?):

يُبَشِّرُنِي الْغُرَابُ بِبَيْنِ أَهْلِي ... فَقُلْتُ لَهُ ثَكِلْتُكَ مِنْ بَشِيرْ

وبَيْنُ أَهْلِهِ مِمَّا يسوؤُه الإخبارُ به. وقولُ الآخَرِ (?):

أَبَشَّرْتَنِي يَا سَعْدُ أَنَّ أَحِبَّتِي جَفَوْنِي ... وَقَالُوا الْوُدُّ مَوْعِدُهُ الْحَشْرُ

فجفاءُ الأحبةِ إخبارٌ بما يسوءُ. ومعلومٌ أن الذين تَكَلَّمُوا في البلاغةِ والذين كانوا يُقَسِّمُونَ الكلامَ إلى حقيقةٍ ومجازٍ يقولونَ: إن البشارةَ حقيقةٌ في الإخبارِ بما يَسُرُّ، وهي في الإخبارِ بما يسوءُ استعارةٌ عندهم، ويجعلونَها من الاستعارةِ المسماةِ في اصطلاحِ البيانيين بالاستعارةِ العناديةِ، ويقسمونَها إلى تهكميةٍ وتمليحيةٍ كما هو معروفٌ في مَحَلِّهِ (?). ونحن نقررُ دائمًا أنها أساليبُ عربيةٌ، كلها حقيقةٌ في مَحَلِّهِ، وقد وَضَعْنَا في ذلك رسالةً تُسمى (مَنْعُ جوازِ المجازِ في الْمُنَزَّلِ للتعبدِ والإعجازِ) وهذا معنَى قولِه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015