مَجَّانًا. وعن ابنِ عباسٍ (رضي الله عنهما) أن أعرابيًّا جاء واستسقاهم من سقايتِهم فسقوه نبيذًا، فقال الأعرابيُّ: سبحان الله! إن الناس يسقونَ في سقايتهم اللبنَ والعسلَ وأنتم تسقونَ النبيذَ!! يعيبهم بأن سقايتَهم نبيذٌ. فأخبره ابنُ عباسٍ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ بهم وَسَقَوْهُ من نبيذِها، وأمرهم أن يسقوا الناسَ منه. قال: لا نزيدُ على ما أمرنا به رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (?). ومعلومٌ أن هذا النبيذَ الذي أمر النبيُّ بِسَقْيِهِ على تقديرِ صحةِ هذا أنه نبيذٌ لا يُسْكِرُ كثيرُه؛ لأن النبيذَ الذي يُسْكِرُ كثيرُه لاَ ينبغي أن يُقْدَمَ على شُرْبِهِ؛ لأنه ثَبَتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» (?) كما هو معروفٌ. فهذه هي سقايةُ الحاجِّ.
والرفادةُ والحجابةُ التي هي سدانةُ البيتِ كانت كُلُّهَا لعبدِ الدارِ، وَلَمَّا شبَّ أولادُ عبدِ منافٍ وأرادوا نزعَ هذه الأشياءِ من بَنِي عبدِ الدارِ، ووقعت المخالفةُ بينَ قريشٍ، وتحالفوا للقتالِ الحلف الذي يقال فيه «حِلْفُ الْمُطَيِّبِينَ» و «حِلْفُ لَعَقَةِ الدَّمِ» كما هو معروفٌ، ثم اصطلحوا على أن تبقَى السقايةُ والرفادةُ أن تُرَدَّ لِبَنِي عبدِ منافٍ، ويبقى للعبدريين اللواءُ والندوةُ وحجابةُ البيتِ، أي: سدانة الكعبة حرسها اللَّهُ. فهذه السقايةُ كانوا يفتخرونَ بها ويقولونَ: نحن نَسْقِي الحجَّ ونعمر بيت الله!! ويجعلونَ هذا أفضلَ ممن يؤمنُ بالله، فأنكر اللَّهُ عليهم فقال: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ} [التوبة: آية 19] الحجاجُ يقدمونَ عليكم فتسقونَهم {وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} كَتَرْمِيمِهِ وبنائِه.