وكلامُه فيه أجودُ ما وقفتُ عليه في إزالةِ إشكالِه، قال: إنهم لَمَّا اختلفوا وَذَكَرَ واحدٌ منهم عمارةَ المسجدِ، وَذَكَرَ الثاني سقايةَ الحجِّ، وَذَكَرَ الثالثُ الجهادَ، وسأل عمرُ بنُ الخطابِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، أن النبيَّ إنما قرأَ الآيةَ- وَكَانَتْ نازلةً قَبْلُ- مستدلاً بها لحكم ما اختلفوا فيه، وهي قولُه: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ} فظنَّ الراوي أن قراءةَ النبيِّ لها أن ذلك وقتُ نزولها، وذلك ليس بوقتِ نزولِها، فهي نازلةٌ قبلُ ولكنه ذَكَرَهَا استشهادًا واستدلالاً لِمَا اختلفوا فيه. وهذا هو الأظهرُ، والله تعالى أعلم.
وقولُه: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ} الظاهرُ أن (جَعَلَ) هنا هي التي بمعنَى اعْتَقَدَ، وأنه أَنْكَرَ عليهم اعتقادَهم تساوي هذين الأمرين وهما بعيدٌ من المساواة، بينهما بَوْنٌ عظيمٌ، وبونٌ شاسعٌ.
وكان بعضُهم يقولُ: لاَ يبعدُ أن تكونَ هي التي بمعنَى (صيَّر) أي: صيرتُم هذا كهذا وادعيتُم أنه مثلُه.
وقد ذَكَرْنَا في هذه الدروسِ مرارًا (?) أن لفظةَ (جعل) تأتِي في اللغةِ العربيةِ لأربعةِ مَعَانٍ، ثلاثةٌ منها موجودةٌ في كتابِ الله، ورابعها موجودٌ في اللغةِ العربيةِ ولم يوجد في كتابِ اللَّهِ، من هذه المعانِي الأربعةِ: كونُ (جعل) بمعنَى (اعتقد) وجعل التي بمعنَى اعتقدَ أصلُها تَنْصِبُ المبتدأَ والخبرَ مفعولين، ومنها قولُه: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف: آية 19] وفي القراءة الأخرى (?): {الذين هم عند الرحمن إناثًا} والمعنَى: جَعَلُوا الملائكةَ إناثًا، أي: