وأكثرُ المفسرين أن سببَ نزولِها هو افتخارُ الكفارِ بسقايتِهم الحاجَّ، وعمارتِهم المسجدَ الحرامَ، وَجَعْلِهِمْ ذلك مثلَ إيمانِ المؤمنين، وأن لهم من الأَجْرِ مثلَ ما للمؤمنين، فَأَنْكَرَ اللَّهُ عليهم.

وقد جاء في سببِ نزولِ هذه الآيةِ الكريمةِ حديثٌ مُشْكِلٌ، لأنه خرَّج جماعةٌ عن النعمانِ بنِ بشيرٍ (رضي الله عنه)، ومن جملةِ مَنْ خَرَّجَ حديثَه مسلمُ بنُ الحجاجِ (رحمه الله) في صحيحِه، أن سببَ نزولِها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يومَ جمعةٍ وعندَ منبرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم رِجَالٌ، فقال واحدٌ منهم: لا أُبَالِي أن أفعلَ شيئًا بعدَ الإسلامِ إلاَّ أن أسقيَ الحاجَّ. وقال الثاني: لا أبالي أن أفعلَ شيئًا بعد الإسلامِ إلا أن أُعَمِّرَ المسجدَ الحرامَ. وقال الثالثُ: الجهادُ في سبيلِ اللَّهِ أفضلُ من هذا كلِّه. فزجرهما عمرُ بنُ الخطابِ (رضي الله عنه) وقال: لا تَرْفَعُوا أصواتَكم عندَ منبرِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وكان هذا يومَ جمعةٍ. فإذا صلى الجمعةَ استفتيتُ رسولَ الله فيم اختلفتُم فيه. وأنه استفتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} سببُ نزولِ هذه الآيةِ على هذا السياقِ أَخْرَجَهُ مسلمٌ في صحيحِه وجماعةٌ (?)، وهو مُشْكِلٌ جِدًّا؛ لأنا لو فَرَضْنَا أن نزولَها في المؤمنين لاَ يناسبُ قولَه في آخِرِهَا: {وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: آية 19] فَدَلَّ على أن الصحيح أنها في الكفارِ، وهذا الحديثُ أصلُه فيه إشكالٌ معروفٌ في سببِ نزولِ هذه الآيةِ الكريمةِ، وقد أَوْرَدَ أبو عبدِ اللَّهِ القرطبيُّ (رحمه الله) في تفسيرِ هذه الآيةِ إزالة هذا الإشكال (?)،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015