يعنِي: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} العمارةُ المعنويةُ بالعباداتِ وَذِكْرِ اسمِ اللَّهِ فيها، والعمارةُ الحسيةُ، من بنائِها وترميمِها، هذا كُلُّهُ من شأنِ المؤمنينَ، لاَ مِنْ شَأْنِ الكفارِ، وهذا قولُه: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ}. (مَنْ) فاعل قولِه {يَعْمُرُ} الذي آمَنَ بالله هو الذي يَعْمُرُ مساجدَ اللَّهِ، لا الكافرُ الذي عملُه ضِدٌّ لِمَا بُنِيَتْ له المساجدُ، فهذا تناقضٌ لا يمكنُ أن يكونَ عَامِرًا للمساجدِ، وعملُه ضِدُّ ما بُنِيَتْ له المساجدُ، وهذا معنَى قولِه: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} أي: صَدَّقَ به (جلَّ وعلا) وبكلِّ ما يجبُ التصديقُ به.

{وَالْيَوْمِ الآخِرِ} هو يومُ القيامةِ. وجرتِ العادةُ أن اللَّهَ يذكرُ الإيمانَ باليومِ الآخرِ مع الإيمانِ به؛ لأَنَّ الكفرَ باليومِ الآخِرِ سببٌ لكلِّ البلايا وأنواعِ الكفرِ والجحودِ؛ لأن مطامعَ العقلاءِ محصورةٌ في أمرين: هما: جلبُ النفعِ، ودفعِ الضرِّ، والذي لا يصدقُ بيومِ القيامةِ لاَ يرغبُ في خيرٍ في ذلك اليوم، ولا يخافُ من شَرٍّ في ذلك اليومِ، فلا يَنْزَجِرُ عن شيءٍ، ولا يَرْعَوِي عن شيءٍ؛ ولذا كان التكذيبُ بالبعثِ من أشنعِ أنواعِ الكفرِ بالله (جلَّ وعلا) وقد صرَّح اللَّهُ بأن المكذبين بالبعثِ والشاكِّين فيه من حَطَبِ جهنمَ في آياتٍ كثيرةٍ كقولِه: {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا} [الفرقان: آية 11] وقولُه في المنكرين للبعثِ: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} استفهامُ إنكارٍ منهم في الخلقِ الجديدِ بعد الموتةِ الأُولَى، قال اللَّهُ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الرعد: آية 5]. وهذا معنى قولِه: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ} يعني: الصلواتِ المكتوباتِ الخمسَ. {وَآتَى الزَّكَاةَ}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015