وعلى كل حال فالقرآن كلام الله وصِفَته الأزَلِيَّة، ليس بمخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وهو صفته الأزلية لم يتجرد عن كونه متكلماً يوماً ما، وهو في كل يوم يتكلم بما شاء، كيف شاء، على الوجه اللائق بكماله وجلاله (جَلّ وعلا) من غير مشابهةٍ للخلق، ومن غير تعطيل له من صفته (جَلّ وعلا). وهذا معنى قوله: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ}.
{ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: آية 6] أَبْلَغَهُ إِيَّاهُ: أَوصَلَهُ إِلَيْهِ. والمأمن هنا: اسم مكان -أيضاً- كالمرصد، فالمأمن والمرصد كلاهما اسم مكان، فالمرصد مكان الرصد، والمأمن: مكان الأمن، أي: أبلغه مكان أمنه، وهو داره الذي جاء منها، وأهله الذي جاء من قِبَلِهم. وهذا معنى قوله: {أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} ثم قال: {ذَلِكَ} المذكور من الأمر بإجارة المشرك المستجير حتى يسمع كلام الله ويَتَفَهَّمَهُ وَاقِع بسبب أنَّهُمْ {قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} لا يعلمون الْوَحْيَ، ولا يفهمون عن الله، فإذا طلبوا أن يعلموا ويتعلموا ويسمعوا ما جاء عن الله فلا تمنعوهم من ذلك، فأمِّنوهم حتى يسمعوا ويَتَفَهَّمُوا ويَعْرِفُوا الحَقَّ لَعَلَّ اللهَ يَهْدِيهم، وهذا معنى قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ}.
قال تعالى: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (9) لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ