{الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ} المقرر في فن التصريف: أن كل فعل جاء على وزن (فَاعَل) كقوله هنا {عَاهَدتَّ مِنْهُمْ} أو على وزن (تفاعَل) إنه يقتضي اشتراك المصدر بين فاعلين (?). فمعنى {عَاهَدتَّ} أخذت عليهم العهد وأخذوا عليك العهد؛ لأن (فَاعَل) تقتضي الطرفين.

والعهد: كل شيء مؤكد لا يجوز نقضه تسميه العرب عهداً. والميثاق: العهد المؤكد. {الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ} وهم يهود بني قريظة ألا يحاربوك وألا يعاونوا عليك محارباً آخر {ثُمَّ} بعد هذا العهد المؤكد {يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ} قال بعض العلماء: (ثم) هنا للاستبعاد؛ لأنه يستَبعَد من العاقل الذي عنده عقله أن يجعل على نفسه العهود والمواثيق المؤكدة ثم ينقض ذلك؛ لأن هذا الفعل خسيس قبيح يستبعد من العقلاء. وقد تقرر في كلام العرب وفي القرآن أن لفظة (ثم) التي هي للانفصال والتراخي قد تأتي للاستبعاد، كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: الآية 1] لأن من خلق السماوات والأرض وخلق الظلمات والنور يستبعد كل الاستبعاد أن يُجعل له عديل ونظير، ولذا قال: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ} [الأنعام: الآية 1] أي: يجعلون له عدلاً ونظيراً. تقول: عَدَلْت به إذا جعلت له عدلاً ونظيراً، ومنه قول جرير (?):

أَثَعْلَبَة الفَوَارِس أو رِيَاحاً ... عَدَلْتُ بِهِمْ طُهيَّةَ والخِشَابَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015