الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ} [الفرقان: الآية 37] وبين أنه أهلك قوم هود بالريح العقيم {مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)} [الذاريات: الآية 42] وأنه أهلك قوم صالح بصيحة صاح بهم الملك {فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود: الآية 67] وأنه أهلك قوم شعيب تارة قال: بصيحة، وتارة قال: برجفة، وتارة بظُلَّة. والتحقيق أن قوم شعيب -أهل مدين- اجتمعت لهم الصيحة والرجفة والظلة؛ لأنه صاح بهم الملك من فوق فرجفت بهم الأرض مِنْ تَحْتِهِمْ، ثم إن الله أرسل عليهم ظُلَّّة فأحرقتهم - على القول بأن أصحاب الظُّلة هم أصحاب الصيحة والرجفة، وهو أظهر الأقوال وأقربها -كما قدمنا إيضاحه في سورة الأعراف- وبينا أن قوم لوط أخذ المَلَكُ أرْضَهُمْ فَرَفَعَها وقَلَبَهَا عَالِيَهَا سافلها؛ ولذا كانت قرى قوم لوط تسمى (المؤتفكات) والمؤتفكات: مفْتعلات من الأَفْك (?)، والأَفْك في لغة العرب هو القلب. من أفَكَ الشَّيْءَ: إذا قَلَبَهُ فجعل أسْفَلَهُ أعْلاَهُ. ومنه قيل لأسوأ الكذب (إفكاً) لأنه قلب للحقائق عن مواضعها. فقال (جل وعلا) فيهم: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} [هود: الآية 82] لأنها أَفَكَها الملك أي: قلبها.

فالمؤتفكات: المنقلبات المجعول أسفلها عاليها، تارة عبر عنها بالمؤتفكة نظراً إلى سدوم التي هي عاصمتها، وتارة عبر عن جميع القرى، قال في موضع: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)} [النجم: الآية 53] وقال في موضع: {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ} [التوبة: الآية 70] إلى غير ذلك، وهذا معنى قوله: {فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ} بين هنا ما فعل بآل فرعون؛ لأنه أغرقهم لما أسرى موسى ببني إسرائيل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015