وهذا سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم علمه الله العلوم العظيمة كان يقول في آخر عمره في حجة الوداع: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لمَا سُقْتُ الهَدْيَ ولجَعَلْتُهَا عُمْرَةً» (?) فكيف بغيره صلى الله عليه وسلم؟! وهذا معنى قوله: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللهَ} - جل وعلا - {عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: الآية 49].

{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ (51)} [الأنفال: الآيتان 50، 51].

{وَلَوْ تَرَى} يا نبي الله. (لو) حرف شرط تقلب المضارع ماضياً غالباً. {وَلَوْ تَرَى} هنا بمعنى: لو رأيت؛ لأن (لو) من حروف الشروط التي تختص بالمعنى الماضي غالباً، وفي أغلب أحوالها إذا جاء بعدها مضارع تقلبه إلى معنى المُضِي، وقد لا تقلبه إلى معنى المُضِي فيأتي بعدها مضارع، وهو ليس بكثير، ولكنه موجود في كلامِ العرب، ومن إتيان المعنى بعدها مضارعاً ولو كان ماضياً: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً} [النساء: الآية 9] لأن تركهم للذرية مستقبل؛ لأنهم في ذلك الوقت أحياء. ومن إتيانه مستقبلاً غير مصروف إلى الماضي قول المجنون (?):

فَلَوْ تَلْتَقِي أَصْدَاؤُنا بَعْدَ مَوْتِنَا ... وَمِنْ دُونِ رمسينا مِنَ الأَرْضِ مَنْكبُ

لظَلَّ صَدَى صوتي وإن كنتُ رمَّةً ... لصوت صَدَى ليلى يهشّ ويطْرَبُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015