ثلاثمائة يزيدون قليلاً أو ينقصون قليلاً، ولكن دعوني أنظر هل لهم كمين؟ فجال في فرسه في وادي بدر حتى أبعد، قال: ليس للقوم كمين، ولكني يا قوم رأيت البلايا تحمل المنايا، رأيت نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، والله لا يُقتل رجل منهم حتى يَقتل رجلاً منكم، وإن مات منكم أعدادهم فلا خير في الحياة بعد ذلك، فرأيي أن تنصرفوا. فأيَّدَهُ حكيم بن حزام (رضي الله عنه)، وذهب إلى عتبة بن ربيعة وقال له: يا أبا الوليد إن عِير قريش نجت من محمد صلى الله عليه وسلم وليس لهم لديه مطلب إلا دية ابن الحضرمي -عمرو بن الحضرمي- الذي قُتل في سرية نخلة، وهو حليفك فتحمَّل ديته وخلّ الناس يرجعون فإنه لا خير لهم في لقاء محمد صلى الله عليه وسلم، فاجتمع عتبة وحكيم وعمير بن وهب على هذا الرأي، ولكن قال له عتبة: يا بن حزام اذهب إلى ابن الحنظلية -يعني أبا جهل عمرو بن هشام قبحه الله- فقل له هذا، فلما جاءه قال له: انتفخ سحر عتبة -يعني انتفخت رئته من الخوف- فغضب عندها عتبة وقال: سيعلم مصفر استه غداً من الجبان!! ثم إن أبا جهل -لعنه الله- قال لابن الحضرمي: أنت ترى ثأرك فلا يردّنك هؤلاء عن ثأرك فتقدم واطلب ثأر أخيك، فتقدم عامر بن الحضرمي وقال: واعَمْرَاه، واعَمْرَاه. ينشد ثأره من أخيه عمرو الذي قتلته سرية عبد الله بن جحش (رضي الله عنه) في نخلة كما هو مشهور، فلما قالوا له: ارجع بنا.
قال -وهو محل الشاهد- قال: والله لا نرجع حتى نرد ماء بدر -وكان بدر موسماً من مواسم العرب، وسوقاً يبيعون فيه في السنة- ونشرب الخمور، وننحر الجزور، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا!! فهذا هو فخره وخيلاؤه وبطره ورئاؤه الذي بينه بقوله: