{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [الحديد: الآية 4] لأن جميع الكائنات بسماواتها وأرضها في يد خالق السماوات والأرض أصغر من حبة خردل، فهو مع جميعها بالإحاطة الكاملة العظيمة وبالإحاطة العلمية ونفوذ التصرف كما لا يخفى. وهذا معنى قوله: {وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: الآية 46].
لما أمرهم جل وعلا بالأوامر النافعة الكفيلة بالنجاة والسلامة مِنَ الفَشَلِ وذَهاب الريح نهاهم عن أضدادها المستوجبة للفشل وذهاب الريح والانهزام قال: {وَلاَ تَكُونُواْ} [الأنفال: الآية 47] النهي معطوف على الأمر، لأن قوله: {فَاثْبُتُواْ} [الأنفال: الآية 45] أمر. وقوله: {وَلاَ تَكُونُواْ} نهْي. والأمر والنهي كلاهما إِنْشَاء، يُعطف كل منهما على الآخر بلا نزاع. وإنما الخلاف بين العلماء في عطف الإنشاء على الخَبَرِ، أو الخبر على الإنشاء، فمنعه جماعة من العلماء. والتحقِيقُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ القرآن العظيم واستقراء اللغة العربية: هو جَوَازُ عَطْفِ الخَبَرِ عَلَى الإنشاء، والإنشاء على الخبر (?)، وإن ظن مَنْعه جماعة من علماء البلاغة (?) ومن النحويين. ومن عطف الإنشاء على الخبر في القرآن العظيم قوله تعالى عن أبي إبراهيم: {أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً} [مريم: الآية 46] فقوله: {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ} الآية، خبر، وقوله: {وَاهْجُرْنِي} إنشاء؛ لأنه أمر، فهو إنشاء معطوف على خبر، وهذا المعنى معروف في كلام العرب، ومنه قول امرئ القيس (?):