الجبل، فلما الْتَحَمَ القِتَالُ في المرة الأولى، وهلك حملة اللواء مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وانهزم المشركون هزيمة منكرة، ترك الرماة أمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لمصالحهم الشخصية، وهي الانتفاع بمال الغنيمة، فقال لهم رئيسهم عبد الله بن جبير (رضي الله عنه): أما أنا فلا أخالف قول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. وبقي معه نَفَرٌ قَلِيل. والآخرون راحوا يطلبون الأغراض الشخصية الدنيوية، وتَرَكُوا أمْرَ الرَّسُول. فنَظَرَ المُشْرِكُونَ فَإِذا الجَبَلُ ليس دونه رجال، فجاءوا مِنْ سَفْحِ الجَبَلِ وأتوهم مِنْ وَرَاءِ ظهورهم، ودارت عليهم رَحَى الحرب، وأوقع الله ما أوقع بالمسلمين، كما قَصَّهُ في سورة آل عمران في يوم أحد، قُتل مِنْ خِيَارِ الأنْصَار سبعون رجلاً، وقُتل عَمّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أسَد الله حمزة بن عبد المطلب، وقُطِعَ أنْفُهُ وأذُناه، وأُخذ بعض كبده لهِنْد بِنْت عُتْبة، وقُتِلَ ابْنُ عمته عبد الله بن جحش، وقتل حامل رايته مُصْعَب بن عمير العَبْدَرِي (رضي الله عنه). وشَمَّاس بن عثمان المخْزُومِيّ، وأوقع الله ما أوْقَع بسبب تلك الأغراض الشخْصيَّة وتقديمها على أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وجُرح صلى الله عليه وسلم وشُقَّت شَفَتُهُ السُّفْلَى اليُمْنَى، وكُسِرَتْ رَبَاعيَّته، وشُجَّ حتى غَاص في جَبْهَتِهِ بعض حِلَق المغفر الذي هو على رأسه، وانْتَزَعَهُ أبو عبيدة بن الجراح (رضي الله عنه) فسقطت معه ثنيتاه العلييان لقوته، فكان أثرم (رضي الله عنه)، أي: ساقط الثنيتين. لما وقع هذا استشكله أصحاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هذا الاستشكال، وقالوا: كيف يُدال منا المُشْرِكُون، وتكون لهم دولة عَلَيْنَا، ويقتلوننا ويجْرَحُونَنا وفِينَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا الحَق؟ فهذا هو وجه الإشكال.

فأفْتَى اللهُ بِإِزَالة هذا الإشكال فتوى سماويَّة، قرآناً يُتْلَى في آل عمران، قال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015