ويُؤمّله من ورائهم فهو مُغفَّل؛ لأن هؤلاء ليسوا برجال ميدان، فلا يمكن أن يَرُدُّوا مسلوباً مِنْ مَجْدٍ وَلاَ مِنْ بِلاد، ولا أن ينتصفوا من أحد كائناً ما كان؛ لأنهم تركوا التعاليم السماوية والخُطَط العسكرية التي هي كَفِيلَة بقمع الكفار، وإيقافهم عند حَدِّهِمْ، وكسر شوكة الكفر، وإعلاء كلمة الله جل وعلا.
فالحاصل أن السلاح الأكبر في ميادين القتال هو ذكر الله -جل وعلا- وطاعته وامتثال أمره؛ لأنه هو الذي منه النَّصْر والمَدَد. والله كذلك يأمر خلقه {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ} أما الذين إذا لقوا فِئَة فلا يذكرون الله، وليس في قلوبهم خشية من الله، ولا عمل بدينه، فهؤلاء لا يُؤمّل من ورائهم فائدة إلا مغفل مثلهم لا يفهم شيئاً. وهذا معنى قوله: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللهَ كَثِيراً} ذكرًا كثيرًا؛ لأن ذكركم لله كثيرًا تتقوى به أرواحكم، وتتصلون به بربكم، وينزل لكم بسببه المدد من خالق السماوات والأرض.
والصحابة (رضي الله عنهم) كذلك كانوا يفعلون، يذكرون الله ويخافونه في الميدان فيأتيهم النصر؛ ولذا قهروا الدنيا بأسرها، وأخذوا كنوز قَيْصَرَ وكِسْرَى كما هو معلوم. وهذا معنى قوله: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً}.
{لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} قال بعض العلماء (?): (لعل) في القرآن كلها مشمة معنى التعليل، فهي تفيد معنى التعليل، إلا التي في الشعراء: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)} [الشعراء: الآية 129]