وقوله {بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا} أي: عدوة وادي بدر {وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى}. و (الدنيا) تأنيث الأدنى، أي: العدوة الدنيا التي هي أدنى للآتي من المدينة {وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى} و (القصوى) تأنيث الأقصى، و (الدنيا) تأنيث الأدنى. أي: لأن العدوة التي فيها الكفار هي التي هي أشد قُصُوّاً وبعداً من الآتي من المدينة، والتي فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هي الأقرب للآتي من المدينة.
{وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ} المراد بالركب: الجماعة الذين هم في عِير أبي سفيان بإجماع المفسّرين. والمؤرخون يذكرون أنهم أربعون رجلاً في تلك العِير، سمّاهم ركباً. وأكثر علماء العربية يزعمون أن الركب اسم جمع، وأنه ليس بجمع؛ ولذا لم يجعل علماء العربية من جموع التكسير صيغة (فعْل) فأهملوها بالكلية. والذي يظهر من استقراء القرآن العظيم واللغة العربية أن (فَعْل) بفتح فسكون من صيغ جموع التكسير للكثرة في (فَاعِل) إذا كان وصفاً، وإنما قلنا: إن هذا هو الأظهر لكثرة وروده باستقراء اللغة العربية -في العربية وفي القرآن- فالركبُ هنا على أظهر القولين -وإن لم تكد ترى أحداً يقول به من علماء الصرف- أن الركب جمع راكب، والعرب تطلق الرَّكْب تريد به جمع راكب، فقولهم: إنه اسم جمع لا دليل عليه، والأظهر أنه جمع؛ ولذا فإنَّ العَرَبَ يكثر في كلامها إطلاق اسم الركب مراداً به الركبان، جمع راكب، كما قال (?):
بزينبَ أَلْمِم قبل أنْ يَظْعَنَ الرَّكْبُ ... وقُلْ إن تَمَلِّينَا فما مَلَّكِ القَلبُ
ويُرجعون إليه ضمائر الجموع كما قال غيلان ذو الرمة (?):