يقول الله جل وعلا: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (35)} [الأنفال: الآية 35].
بَيَّنَ اللهُ (جَلَّ وعلا) في هذه الآية أن كُفَّارَ مَكَّةَ الذين يزعمون أنهم أولياء البيت، ما كانوا يصلون عنده، ولا يعبدون الله عنده، يعني: ليس لهم من الصلاة فيه إلا شيء هو بعيد كل البعد عن الصلاة، يعني: ما كان صلاتهم عند البيت الذي هو أول بيت وضعه الله للناس ما كانت صلاتهم عنده إلا مكاء وتصدية والتحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه في معنى المكاء والتصدية (?): أن المكاء هو: الصفير، والتصدية هي: التصفيق. كانت قريش يجتمعون ويطوفون بالبيت عراة، يصفرون ويصفقون، يزعمون أن هذا التصفير والتصفيق والعري عند بيت الله أنه عبادة، ومن أغراضهم بالتصفير والتصفيق: ألاّ يسمع الناس ما يتلوه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن التصفيق والتصفير أصله من إلغائهم ليمنعوا من سمع القرآن، الآتي في قوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)} [فصلت: الآية 26].
العرب تقول: مَكَا، يَمْكُو، مَكْوًا، ومُكًا، ومُكَاءً، إذا: صفر.
والصفير: هو الصوت الذي يخرجه الإنسان من فيه، المعروف، وهذا معنى معروف في كلام العرب، يُسمون التصفير: المكاء. وقد أطلقه عنترة في معلقته على صوت الطعنة العظيمة يشخب منها الدم ويُسمع لها صوت كالصفير في قوله (?):
وَحَلِيل غَانيةٍ تركت مُجَدِّلاً ... تَمكُو فريصتُه كَشِدْق الأعْلَمِ
قال بعض العلماء: أصله كصوت المُكَّاء. والمُكَّاء: طائر