وَالأَرْضِ} [آل عمران: آية 191] هذا التفكر في خلق السماوات والأرض من ذكرك ربك في نفسك تضرعًا وخيفةً كما لا يخفى. وهذا معنى قوله: {وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: آية 205].

ثم إن الله لما أمر عباده المؤمنين بهذه الآداب السماوية وهذه الأوامر الكريمة بَيَّنَ لهم أن ملائكته المقربين يطيعونه ويعبدونه ولا يستكبرون عن عبادته فقال: {إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ} [الأعراف: آية 206] وهم ملائكته (جل وعلا) صلوات الله وسلامه عليهم: {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} لا يتكبرون عنها أبدًا، بل هم خاضعون مُتَذَلِّلُون عابدون لربهم (جل وعلا). وأصل العبادة في لغة العرب (?): معناها الذل والخضوع. فالعبادة: الذل والخضوع على وجه المحبة خاصة. وكل مُذلّل مُخضِّع تسميه العرب (مُعَبَّدًا) وقيل للعبد (عبد) لذله وخضوعه لسيده، وهذا المعنى معروف في كلام العرب، ومنه قول طرفة بن العبد في معلقته (?):

تُباري عِتَاقًا نَاجِيَاتٍ وأَتْبَعَتْ ... وَظِيفًا وَظِيفًا فَوْقَ مور مُعَبَّدِ

أي: طريقًا مذللاً لدوس الأقدام. وإنما قلنا: إن العبادة هي الذل والخضوع لله على وجه المحبة خاصة فلا تكفي المحبة دون الذل والخضوع، ولا يكفي الذل والخضوع دون المحبة؛ لأن الإنسان إذا كان ذله متجردًا عن محبة كان يُبغض الذي هو يذل له، ومن أبغض ربه هلك، وإذا كانت محبةً خالصة لا خوف معها فإن المُحب الذي لا يُداخله خوف يحمله الدلال على أن يسيء الأدب، ويرتكب أمورًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015