أما الهدى العام: فمعناه بيان الطريق، وإيضاح المحَجَّة البيضاء، وبيان الحق من الباطل، والنافع من الضار، والحسن والقبيح. تقول العرب: «هديته» إذا أرشدته إلى الخير، سواء تبعه أم لا. ومنه بمعناه العام: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} أي: بينا لهم الحق على لسان نبينا صالح، وهو هداية إرشاد وبيان لا هداية توفيق؛ لأن الله قال: {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ} [فصلت: آية 17].
ومن إطلاق الهدى بمعناه العام الذي هو البيان والإيضاح والإرشاد قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} أي: بينا له طريق الحق وطريق الباطل، بدليل قوله: {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: الآيتان 2، 3] لأن الهداية في قوله: {هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} لو كانت هداية توفيق لما قسم من هداه الله بها إلى شاكر وإلى كفور.
المعنى الثاني: هو إطلاق الهدى بمعناه الخاص، والهدى بمعناه الخاص: معناه توفيق الله (جل وعلا) لعبده حتى يهتدي إلى ما يرضي ربه، ويكون سبب دخوله الجنة. ومنه بهذا المعنى: {مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي} [الأعراف: آية 178] وقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: آية 90].
وكون الهدى يُطلق إطلاقًا عامًّا وإطلاقًا خاصًّا إذا فهم الإنسان ذلك زالت عنه إشكالات في كتاب الله، ومناقضات يظنها الجاهل ببعض آيات الله، كقوله تعالى في نبينا صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: آية 56] مع قوله فيه: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: آية 52] فنفى عنه الهدى في آية وأثبته له في آية، فالهدى