{مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ} المراد بـ (صاحبهم) نبينا محمد صلى الله عليه وسلم و (الجِنَّة) معناه: إصابة الجنون، معناه: أن محمدًا صلى الله عليه وسلم ليس بمجنون، فإنهم لو تفكروا وأعملوا أفكارهم وعقولهم علموا أنَّه (صلوات الله وسلامه عليه) بعيد غاية البعد من الجنون، وأنه تام العقل، رصين العقل، يدعو إلى أحسن الطرق وأعظمها وأبينها، فليس به جنة، وهذا معنى قوله: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ} أولم يتفكر هؤلاء الكفار المكذبون الزاعمون أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مجنون. {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ} ويُعملوا أفكارهم ويرجعوا إلى عقولهم فيتحققوا أن صاحبهم ما به من جنة، ليس به جنون، بل هو (صلوات الله وسلامه عليه) بعيد من الجنون تام العقل، رؤوف رحيم بهم، يدعوهم إلى السعادة الأبدية، وصلاح الدنيا والآخرة.
قال بعض العلماء: صعد صلى الله عليه وسلم على الصفا ودعا قبائل قريش، فدعاهم فخذًا فخذًا، وحذرهم عذاب الله ونقم الله، وقال واحد منهم: إن هذا لمجنون. فأنزل الله: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ} (?). وهذا الجنون الذي رَمَوْهُ بِهِ نفاه الله عنه في آيات كثيرة كقوله تعالى: {مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)} [القلم: آية 2] {فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ} [الطور: آية 29] {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لله مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)} [سبأ: آية 46] فهذا معنى قوله: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (184)}