الاستدراج هو الاستِنْزَال درجة بعد درجة حتى يَصِلَ الإنسان إلى السوء الذي يراد منه؛ لأن الكفار أراد الله (جَل وعلا) أنْ يهلكهم بعذابه المُسْتَأصل ويدخلهم النار لما كذبوا بآياته. فمعنى استدراجه لهم: أنَّهُ يُرْسِلُ عليهم هذه النعمة فيكثر خصب بلادهم وأرزاقهم وعافيتهم، وتلد نساؤهم ذكورًا، وتتزايد عليهم النعم وتتواتر، فعند ذلك يزدادون بطرًا وكفرًا فيقربون من الهلاك درجة، ثم إن الله (جل وعلا) يغدق عليهم نعمًا أخرى فتزيدهم بطرًا إلى بطرهم، وكفرًا إلى كفرهم، وغفلة إلى غفلتهم، فيقربون درجة أخرى إلى هلاكهم، حتى إذا انتهت تلك الدرجات التي يستدنيهم الله فيها لما يريد منهم: جاءهم عذاب الله فأهلكهم وصاروا منه إلى الخلود في النار، كما قال (جل وعلا): {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شيء حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44)} [الأنعام: آية 44] والعرب تعرف الاستدراج في لغتها وأنه تقريب الشَّيْءِ دَرَجَة درجة إلى ما يراد منه، وهو معنى معروف في كلامها، ومنه قول الأعشى ميمون بن قيس (?):

لئنْ كُنتَ في جُبٍّ ثمانينَ قَامةً ... ورُقِّيتَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بسُلَّمِ ...

ليسْتَدْرِجَنْكَ القولُ حتى تَهرَّهُ ... وتَعْلمَ أني عنكُم غير مُفْحَم ...

وتَشْرق بالأمرِ الذي قد أَذَعْتَه ... كما شَرِقَتْ صدرُ القناةِ من الدَّمِ

ومحل الشاهد منه قوله: «ليستدرجنك القول» أي: لينزلنك درجة درجة حتى ترى ما تكرهه، وهذا معنى قوله: {سَنَسْتَدْرِجُهُم} أي: سنستدنيهم إلى إهلاكهم بتوافر النعم وتزايدها عليهم ليزدادوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015