وفي لغة العرب إطلاق الضلال على الذهاب عن علم الشيء، فكل ما لم يهتدِ إلى علم شيء تقول العرب: ضل. أي: لم يهتد إلى علم هذا الشيء بعينه. وهو بهذا المعنى يكثر في القرآن وفي كلام العرب، فمنه في القرآن قول أولاد يعقوب: {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [يوسف: آية 8] أي: ذهاب عن علم الحقيقة حيث يُفَضِّل يوسف على هذا (?) من الرجال. وقوله: {قَالُواْ تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ (95)} [يوسف: آية 95] أي: ذهابك عن حقيقة العلم بالشيء؛ لأنك تظن يوسف حيًّا، ولا يريدون الضلال في الدين؛ لأنهم لو أرادوا الضلال في الدين لكانوا كفرة لتضليلهم نبيًّا من الأنبياء. ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: {لاَ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى} [طه: آية 52] أي: لا يذهب عنه علم شيء ولا ينسى شيئًا. ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: آية 282] {أَن تَضِلَّ} يعني: تذهب عن علم حقيقة المشهود به فتذكرها الأخرى. قال بعض العلماء: وأنه بهذا المعنى قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى (7)} [الضحى: آية 7] على القول بذلك، ووجهه أن المعنى: ووجدك يا نبي الله ضالاً؛ أي: ذاهبًا عن هذه العلوم التي لا تُعلم إلا بالوحي فهداك إليها وعلمك إياها بالوحي كما قال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)} [يوسف: آية 3] فالغافلون ضالون ذاهبون عن علم حقيقة هذه العلوم، ومنه قوله تعالى: {مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء} الآية