ولا تحريكة إلا بمشيئة خالق السماوات والأرض -جل وعلا- والعباد لا يخلقون أعمالهم بل ما يشاءون إلا أن يشاء الله، كما صرح الله به، والقدرية على كثرتهم وكثرة حججهم وجدالهم يأتون بشبه فلسفية يزعمون أنهم ينزهون الله بها، وهم يقعون في أعظم مما فروا منه بأضعاف، يقولون: إن الله أعظم وأنزه وأَجَلّ وأكرم من أن يريد الإضلال والقبائح والمعاصي. قالوا: فهو أَجَلُّ وأعظم وأكرم وأنْزَهُ من أن يكون الزنا بمشيئته، وأن تكون السرقة بمشيئته ونحو ذلك. فأرادوا أن ينزهوه عن أن يشاء السرقة والزنا والإضلال والقبائح، ووقعوا في الداهية الكبرى والطامة العظمى، هو أنهم جعلوا بعض خلق الله إلى غيره من خلقه، وجعلوا أن المكلف يخلق أعمال نفسه، فصارت عندهم أعمال المكلفين ليست بمشيئة الله، فسلبوه ملكه وقَدَره ومشيئته وكل شيء، قبحهم الله!
والتحقيق في هذه المسألة: أن الله (جل وعلا) سبق في علمه وسابق أزله أن بعض من يخلقهم مجبولون على الخبث، وأنه سيشاء منهم أن يشاءوا أعمال أهل النار حتى يدخلوها، وأن قومًا آخرين قوم طيبون، وأنه يشاء منهم أن يعملوا أعمال أهل الجنة فيدخلوها، ثم إن الله (جل وعلا) يصرف بقدرته ومشيئته مشيئة العبد وقدرته حتى يأتي العبد ما سبق له في كتابه من شقاوة أو سعادة يأتيه طائعًا مختارًا {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: آية 30] فلو فرضنا أن قدريًّا قال لسنّي: هذه الأعمال كتبها الله في سابق الأزل وجفت الأقلام وطُويت الصحف، أو هو شيء مُستأنف؟ فمذهب أهل السنة والجماعة -وهو الحق- هو إثبات القدر، وأن كل شيء قضاه الله وقدَّره، وأن الكائنات صائرة إلى ما شاءه الله وقدَّرَه (جل وعلا)، وأنه خلق خلقًا