أنه لا يُقطع عذر أحد بنصب الأدلة، وتركيز الفطرة، وخلق العقول؛ بل لا ينقطع عذر بني آدم إلا بإرسال الرسل في دار الدنيا، إنذارهم مؤيَّدين بالمعجزات؛ ولذا قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: آية 15] ولم يقل: حتى نخلق عقولاً ونركز أدلة وننصب فطرة. لم يقل شيئًا من هذا، وقال جل وعلا: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: آية 165] فبيّن أن حجة الناس لا يقطعها إلا إعذار الرسل وإنذارهم له.

وهذه الحجة التي بَيَّن في سورة النساء أنه أرسل الرسل لقطعها بقوله: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} أوضحها في أُخريات سورة طه وأشار لها في القصص، قال في سورة طه: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى (134)} [طه: آية 134] ولم يقل: لولا خلقت لنا عقولاً، ونَصَبْتَ لنا أدِلَّة، ورَكَّبْتَ فِينا فطرًا، لم يقل شيئًا من هذا. وأشار لها في القصص بقوله: {وَلَوْلاَ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)} [القصص: آية 47]؛ لأنه قال: {لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً} ولم يقل: لولا خلقت لنا عقولاً، وركزت فينا فطرة، ورتبت لنا أدلة. لم يقل شيئًا من هذا. وقد صرَّح (جلّ وعلا) بأن جميع أفواج النّار الذين يدخلونها يوم القيامة أنهم جميعهم أنْذَرَتْهُمُ الرُّسُل في دار الدنيا، وقطعت أعذارهم قبل الموت، وذلك في قوله: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شيء إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9)} [الملك: الآيتان 8 - 9]،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015