{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} [التوبة: آية 17] أي: بلسان حالهم -على القول بذلك- ومنه قوله: {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7)} [العاديات: آية 7] أي: بلسان حاله عند من يقول ذلك.

والذين قالوا هذا القول -واختاره غير واحد من المحققين المتأخرين- قالوا: الدليل على أنّ هذا هو المراد أن الله لم يخلق أحدًا من بني آدم ذاكرًا الميثاق ليلة الميثاق وهم كالذر، وما لا يذكره الإنسان لا يكون حجة عليه، وهذا كأنه جعل حجة مستقلة عليه، كما يدل عليه قوله: {شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ} [الأعراف: الآيتان 172، 173] فعلى هذا القول فأخذ الذُّرِّيَّات من ظهور بني آدم هو إيجادهم منهم قرنًا بعد قرن، وجيلاً بعد جيل عن طريق التناسل المعروف. وعلى هذا القول فالإشهاد عليهم بلسان الحال بما نصب لهم من الأدلة، وما ركز فيهم من الفطرة. واختار هذا ابن كثير (?)، والزَّمَخْشَرِي (?)، وغير واحدٍ من المتأخرين.

القول الثاني: وعليه أكثر المتقدمين من السلف، وهو الذي يدل له بعض الأحاديث الصحيحة، والقرآن قد يُرْشِدُ إليه: أنه هو الأخذ يوم الميثاق المعروف، أن الله تبارك وتعالى أخذ من ظهر آدم ومن ظهور ذرياته كل نسمةٍ سبق في عِلْمِهِ أنها مخلوقة إلى يوم القيامة فأخذهم بيده (جلّ وعلا) بعضهم للجَنَّة وبعضهم للنار، وجعل فيهم إدراكًا وقال لهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} فقالوا: بلى. إلاّ أن هذا العهد لا يولد أحد إلا وهو ناسٍ له، والله (جلّ وعلا) أرسل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015