{وَإِنَّهُ} جل وعلا {لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي: كثير المغفرة لعباده المؤمنين التائبين؛ الرحيم بهم.

وقد جرت العادة في القرآن أن الله (تعالى) يجمع فيه بين الوعد والوعيد؛ لأن مطامع العقلاء محصورة في أمرين: هما جلب المصلحة، ودفع المضرة، والله (جل وعلا) يأتي بالوعد والوعيد ليستحث الناس بذلك إلى طاعته كما قال هنا: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ} لمن عصاه {وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} لمن أطاعه. فهذا الوعد يطمعنا فيما عنده، وهذا الوعيد يخوّفنا مما عنده، كما قال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ (50)} [الحجر: الآيتان 49، 50] وكما قال تعالى: {حم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)} [غافر: الآيات 1 - 3] والآيات في مثل هذا كثيرة، وهذا معنى قوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأعراف: آية 167].

{وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)} [الأعراف: آية 168].

{وَقَطَّعْنَاهُمْ} معناه: جعلناهم قطعًا متفرقين في أرض الله لا تكاد تجد أرضًا إلا وفيها شِرذِمَةٌ منهم. أجرى الله العادة بتفريقه اليهود في أقطار الدنيا لحكمة يعلمها هو (جلّ وعلا)؛ ولذا قال: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا} أي: طوائف متفرقة في أنحاء الدنيا. ثم قال: {مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ} منهم قوم صالحون مطيعون لله، وهم الذين كانوا على شرع موسى بن عمران، لم يغيروا ولم يُبَدِّلُوا حتى ماتوا على ذلك، أو أدركوا محمدًا صلى الله عليه وسلم فآمنوا به، كعبد الله بن سلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015