ادَّعَيْتَ النبوةَ، ودعوتَ إلى عبادةِ اللَّهِ فلا رجاءَ لنا فيكَ. وهذا جاءَ مُفَصَّلاً عن الرسلِ في القرآنِ العظيمِ، كتكذيبِهم لنوحٍ وهودٍ وصالحٍ ولوطٍ وشعيبٍ، وتكذيبِ فرعونَ وقومِه لموسى وهارونَ، وما جَرَى مَجْرَى ذلك، وهنالك رُسُلٌ لم تُقَصَّ عليه أخبارُهم، كما نَصَّ اللَّهُ عليه في سورةِ النساءِ (?)، وفي سورةِ المؤمنِ: {مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر: آية 78].
وإنما قال: {كُذِّبَتْ رُسُلٌ} بتاءِ التأنيثِ لِمَا تقررَ في علمِ العربيةِ: أن ثلاثةً من الجموعِ - أعني الجمعَ المُكَسَّرَ مذكرًا كان أو مؤنثًا، والجمعَ السالمَ المؤنثَ، كُلُّهَا تجري مجرَى الواحدةِ المؤنثةِ مجازيةِ التأنيثِ (?)؛ ولذلك أُنِّثَ الفعلُ هنا وقيل فيه: {كُذِّبَتْ} وأُنثت الإشارةُ إليه لهذا كما قال: {تِلْكَ الرُّسُلُ} [البقرة: آية 253] ونحو ذلك {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّنْ قَبْلِكَ} حُذِفَ الفاعلُ هنا وأنابَ المفعولُ به منابَه؛ لأنه يُوَضِّحُهُ. أي كذبهم قومُهم فصبروا على ذلك التكذيبِ والأَذَى.
{فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُوا} (ما) هنا مصدريةٌ. فصبروا على التكذيبِ.
وقولُه: {وَأُوذُوا} فيما يُعْطَفُ عليه وجهانِ (?): أظهرُهما أنه معطوفٌ على: {فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا} أي: فصبروا على التكذيبِ، وعلى الإيذاءِ الذي يَنَالُهُمْ من قومِهم، حتى جاءهم نصرُنا.