لأن هذا يدلُّ على أنهم يقرؤون التوراةَ قراءةَ ألفاظٍ لا يفهمونَ ما تَحْتَهَا من المعانِي والعِبَرِ والحِكَمِ. وقوله في أولِ الآيةِ: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} يدلُّ على أنهم لا يَقْرَؤُونَ. فَكَأَنَّ حملَ الأمانيِّ على القراءةِ فيه شِبْهُ مناقضةٍ مع قولِه: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ}.

الوجهُ الثاني في الآيةِ الكريمةِ: أن الاستثناءَ منقطعٌ، وأن (الأمانيَّ) جمعُ (أُمْنِيَةٍ) وهي الأمنيةُ المعروفةُ، وهي أن يتمنَّى الإنسانُ حصولَ ما ليس بحاصلٍ. وعلى هذا القولِ فتقريرُ المعنى: لا يعلمونَ الكتابَ، لكن يتمنونَ أمانيَّ باطلةً صادرةً عن جهلٍ لا مبدأَ لها من عِلْمٍ، كأن يقولوا: ما عليه محمدٌ وأصحابُه ليس بِحَقٍّ، و {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: الآية 18]، {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى}، {كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} [البقرة: الآية 135]، والدليلُ على أن هذا من أمانيهم الباطلةِ وأن خيرَ ما يُفَسَّرُ به القرآنُ القرآنُ: قولُه تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} [البقرة: الآية 111] فصرحَ (جل وعلا) بأن أمانيهم من هذا القبيلِ، كما قال جل وعلا: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} الآيةَ ... [النساء: آية 123] وهذانِ الوجهانِ في قولِه: {لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ}.

{وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} (إنْ) هي النافيةُ. والمعنى: ما هم إلا يظنونَ، يسمعونَ عندَ علمائِهم قولاً فيقولونه تقليدًا وَظَنًّا وَجَهْلاً.

والظنُّ قد قَدَّمْنَا أنه يُطْلَقُ إطلاقين (?): يطلقُ على الشكِّ. وهو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015