جَاءكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال: آية 19] يعني: إن تَطْلُبُوا الحكمَ من اللَّهِ على الظالمِ بالهلاكِ فقد جاءكم ذلك، وَهَلَكَ الظَّالِمُ، أبو جهل وأصحابُه، ومن هذا المعنى قولُه (جل وعلا) عن شُعَيْبٍ: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف: آية 89] أي: احْكُمْ بيننا بالحقِّ وأنتَ خيرُ الْحَاكِمِينَ، وهذه لغةٌ حميريةٌ، يُسَمُّونَ الحاكمَ: فَتَّاحًا، والحُكمَ فُتَاحَة (?)، ومن هذا المعنى قولُ الشاعرِ (?):
أَلاَ أَبْلِغْ بَنِي عَمْرٍو رَسُولاً بِأَنِّي عَنْ فُتَاحَتِكُمْ غَنِيُّ
أي: عن حُكْمِكُمْ غَنِيٌّ.
هذا قيل به في الآيةِ، ولكنه قولٌ مرجوحٌ غيرُ ظاهرٍ، والتحقيقُ - إن شاء الله - هو الأولُ، ثم إنهم قالوا لهم: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أتقولون قولَ مَنْ لا يَعْقِلُ؟ فلا تعقلونَ أنه لا ينبغي لكم أن تُخْبِرُوهُمْ وتحدثوهم بما فتحَ اللَّهُ
عليكم من علمِ التوراةِ مما خَفِيَ عليهم؛ ليكونَ حُجَّةً لهم عليكم عِنْدَ اللَّهِ يومَ القيامةِ، أنكم أَقْرَرْتُمْ بأنهم على حَقٍّ، وَخَالَفْتُمُوهُمْ ولم تتبعوهم.
ثم إن الله ذَكَرَ طائفةً ثالثةً، وهي الطائفةُ الجاهلةُ التي لا تَدْرِي، وإنما تسمعُ كلامًا فتقلِّد فيه تقليدًا أَعْمَى، قال: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} [البقرة: الآية 78] الأُمِّيُّ: هو الذي لا يقرأُ ولا يكتبُ. أي: طائفةٌ