تشيرُ إليه من اجتلابِ المصالحِ وتجنبِ المضارِّ، ولا يُحْكَمُ بصحةِ شيءٍ منها إلا شيءٌ قام عليه دليلٌ من كتابٍ أو سُنَّةٍ.
والمفسرونَ يذكرونَ في قصتِهم أنهم لَمَّا تَمَرَّدُوا هذا التمردَ العظيمَ على نَبِيِّ اللهِ هودٍ، وأراد اللهُ أن يُهلكهم أمسكَ عنهم المطرَ ثلاثَ سِنِينَ، فقحطت أرضُهم وأجدبوا وجاعوا، وأضعفَهم القحطُ وكادَ يُهلكهم. ويزعمونَ أن عادةَ الناسِ في ذلك الزمانِ أن مَنْ أَصَابَهُ كَرْبٌ أو بلاءٌ يُرْسِلُونَ مَنْ يدعو اللهَ لهم عند بيتِه الحرامِ؛ لأنهم يظنونَ أن اللهَ إذا دُعِيَ عند بيتِه الحرامِ لا يَرُدُّ مَنْ دعاه ولا يخيِّبه. فلما وَقَعَ بهم ما وَقَعَ جَهَّزُوا وفدًا منهم، يزعمونَ أنه يقربُ من سبعينَ رجلاً، كبيرُهم: قَيْل بنُ عنز، المشهورُ في التاريخِ، وأرسلوا معه جماعةً من كبرائِهم - يزعمُ المؤرخونَ أن منهم: نعيمَ بنَ هزَّالةَ، ومنهم: مرثدُ بنُ سعدٍ. وكان مرثدُ بنُ سعدٍ فيما يزعمونَ مِمَّنْ آمَنَ بهودٍ، وكان يكتُم إيمانَه - ويزعمونَ أن الذين عند مكةَ في ذلك الوقتِ العمالقةُ، والعمالقةُ: أولادُ عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، وأن رئيسَهم في ذلك الزمانِ يُسمَّى: معاويةَ بنَ بكرٍ، وأن أخوالَه عادٌ، وهم أخوالُه وأصهارُه، وأنه كان نازلاً بظاهرِ مكةَ خارجًا عن الْحَرَمِ، وأن الوفدَ الذي أرسلَه عادٌ ليستسقيَ اللهَ لهم عند بيتِ اللهِ الحرامِ نزلوا عندَ معاويةَ بنِ بكرٍ رئيسِ العماليقِ، وكان عادٌ أخوالَه وأصهارَه، وكان عنده قينتان يُغَنِّيَانِ، اسْمُهُمَا: الجرادتانِ، وأن رئيسَ العماليقِ - وهو معاويةُ بنُ بكرٍ - مَكَثَ عندَه الوفدُ العادي شهرًا، يسقيهم الخمرَ، وَيُحْسِنُ إليهم، وتغنيهم الجرادتانِ، حتى نَسُوا ما جاؤوا من أَجْلِهِ.
وكان معاويةُ بنُ بكرٍ - فيما يزعمُه المؤرخونَ والمفسرونَ -