وهي دائرةٌ بين الامتثالِ والابتلاءِ (?). فإذا نُسِخَ الحكمُ بعدَ العملِ به فحكمتُه الامتثالُ وقد امْتُثِلَ، وإذا نُسِخَ قبلَ العملِ به فحكمةُ تشريعِه الأولِ الابتلاءُ، وهو اختبارُ الخلقِ هل يتهيؤون للامتثالِ؟ وقد وقعَ الابتلاءُ، وقد نصَّ اللَّهُ (جل وعلا) في قصةِ إبراهيمَ على أن الحكمةَ في أمرِه بذبحِ ولدِه - مع أن اللَّهَ يعلمُ أنه لا يُمكِّنُه من ذلك - هو الابتلاءُ هل يتهيأُ ويطيعُ رَبَّهُ في أن يذبحَ ثمرةَ قلبِه؟ كما قال جل وعلا: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: آية 103]، يعني: تلَّه للجبينِ لينفذَ فيه الذبحَ حتى - مثلا - قَالَ له رَبُّهُ: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: الآيتان 104 - 105] وقال: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: آية 107] ثم إن اللَّهَ نصَّ على أن الحكمةَ الابتلاءُ في قوله: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ} [الصافات: آية 106].
وقولُه جل وعلا: {فَذَبَحُوهَا} أي: فذبحوا البقرةَ، وضربوه بجزءٍ منها فَحَيِيَ، وأخبرَهم بقاتلِه كما يأتي.
وقوله: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} يعني: ما كادُوا يذبحونها إلا بعدَ جَهْدٍ جَهِيدٍ؛ لِمَا جاؤوا به دونَ ذَبْحِهَا من السؤالاتِ والتعنتاتِ.
وقولُ بعضِ العلماءِ: إنَّ (كَادَ) إذا كانت في الإثباتِ دَلَّتْ على النفيِ، وإذا كانت في النفيِ دَلَّتْ على الإثباتِ، وأن هذا يُلْغَزُ به: هو في الواقعِ غيرُ صحيحٍ (?)، وَأَنَّ (كَادَ) فعلُ مقاربةٍ تدلُّ على مقاربةِ