البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن المجتهدين يختلفون في اجتهادهم، وكلهم لا إثم عليه ولا ضَيْر عليه؛ لأنه قد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَان سَامِعاً مطيعاً فلا يُصَلِّينَّ العصْرَ إلا في بَنِي قُرَيْظَة» (?).
هذا نص صريح صحيح سمعه الصحابة بآذانهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم راحوا من المدينة إلى ديار بني قريظة وأدركتهم صلاة العصر في الطريق، فاختلفوا في فهم هذا الحديث، وكُلٌّ اجْتَهَدَ بحسب ما أدى إليه فهمه، فجماعة قالوا: ليس مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن نؤخر صلاة العصر عن وقتها، ولكن مراده الإسراع إلى بني قريظة، فلنصلِّ ونسرع، فصلوا العصر وأسرعوا، وجماعة قالوا: العصر وجبت علينا على لسانه صلى الله عليه وسلم، فلو قال لنا: اتركوها إلى يوم القيامة تركناها إلى يوم القيامة، ولو قال: اتركوها إلى قريظة تركناها إلى قريظة، وجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصلوا، واجتمعوا عند النبي صلى الله عليه وسلم وهم في خلاف بين مُشَرِّق ومُغَرِّب؛ لأن من صلى ومن لم يصل مختلفان، فهو صلى الله عليه وسلم قررهم جميعاً ولم يُخَطِّئ أحداً منهم، ولو كان واحد منهم فعل غير صواب وأمراً حراماً لما أقره الرسول عليه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يقر على باطل، ولا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه. وثبت في صحيح البخاري عن الحسن البصري