والقدرة الباهرة العظيمة التي يجب على الإنسان أن يعلم عظمة المتصف بها ويطيعه ولا يتمرد عليه، وهذا معنى قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف: آية 11].

وعلى هذا القول -أن المراد بخلق بني آدم في الأصلاب، وتصويرهم في أرحام الأمهات- يكون قوله: {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ} تكون (ثم) هنا للترتيب الإخباري، أي: ثم أخبرناكم بعد ذلك أنّا قلنا للملائكة: {اسْجُدُواْ لآدَمَ}. ولفظة (ثم) قد تأتي في القرآن للترتيب في الذكر لا لترتيب الحقيقة الواقعة في زمنها، وهذا الأسلوب وإن كان غير ظاهر فهو موجود في القرآن وفي كلام العرب، فمن أمثلته في القرآن قوله تعالى في الأنعام -يعني شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم وهو آخر الأنبياء: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} ثم قال: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [الأنعام: الآيتان 153، 154] وإتيان موسى الكتاب قبل نزول هذا على النبي صلى الله عليه وسلم بقرون، فدّل على أن (ثم) هناك ليست للترتيب الزماني وإنما هي للترتيب الذكري، ونظير ذلك في القرآن قوله في سورة البلد: {فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)} [البلد: الآيات 11 - 17] لأنه ليس المراد أنه مثلاً يقتحم العقبة، وأنه يطعم ذا المسغبة، ويفعل كذا وكذا، ثم بعد ذلك يكون من الذين آمنوا، لا، ليس هذا هو المراد، وإنما هي للترتيب الذكري، لا للترتيب الزماني المعروف، ومن إتيان ذلك في كلام العرب قول الشاعر (?):

طور بواسطة نورين ميديا © 2015