منكم يدخل بطن أمه في أول دخوله له وفيه يد ولا رجل ولا عين ولا أنف ولا فم، بل يدخلها نطفة من ماء مهين مستوية الأجزاء، ليست مفصلة ولا مُخَلَّقَة، ثم إِنَّ رَبَّ العالمين بقدرته العظيمة ينقله من طور إلى طور، ومن حال إلى حال، ينقله من النطفة إلى علقة -وهي الدم الجامد الذي إذا صُبَّ عليه الماء الحار لم يذب- ثُمَّ يَنْقِل العَلَقَة مُضْغَة، ويُصيّر المضغة عظاماً، فيركِّب هذه العظام بعضها في بعض هذا التركيب الدقيق المحكم الهائل، لو نظرت تركيب الأنملة بالأنملة، وفقرة الظهر بفقرة الظهر، والمفصل بالمفصل، وتركيب عظام الرأس بعضها إلى بعض، وخياطة بعضها مع بعض على ذلك الوجه العظيم الهائل، ونظرت في الإنسان - لأن الإنسان إذا نظر في موضع رأس إبرة من جسده وجد من عجائب صنع الله وغرائبه ما يبهر العقول- بعد أن دخل بطن أمه نطفة من مَنيّ فإذا هو مصور هذا التصوير العظيم، مخلوق منه هذا الهيكل العظيم، العظام شُدّ بعضها ببعض على أحْكَمِ وَجْهٍ وأَتْقَنِهِ وأَبْدَعِهِ، ومنه قوله: {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً (28)} [الإنسان: آية 28] الأسر: أصله شدّ الشيء بالإسار، والإسار في لغة العرب (?):

القِدّ، وهو الجلد الذي لم يُدبغ؛ لأن الجلد الذي لم يُدبغ إذا أخذت سيوره وشددت بها شيئاً وهي مبلولة يبست فاستحكم الشدّ غاية الاستحكام {وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} المعنى: شددنا بعض عظامهم إلى بعض كما يُشد الشيء إلى الشيء بالإسار، وهو الجلد غير المدبوغ، ومنه قيل للأسير: (أسير) لأنه يُشَدُّ بالإسار غالباً، فلو كان الذي شدّ يدك بمعصمك، ومعصمك بمرفقك، ومرفقك بمنكبك، لو كان غير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015