ووجوده أصلٌ في وجوده كان خلقه وتصويره كأنه خلق وتصوير للجميع. ونحو هذا الأسلوب معروف في القرآن؛ لأن الله يخاطب اليهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} [البقرة: آية 57] والذين ظُلل عليهم الغمام وأُنزل عليهم المن والسلوى أجداد أجداد أجدادهم، قبلهم بعشرات القرون، فَدَلَّ على أن أصْلَ الإنسان الذي هو منه قَدْ يُخَاطَب الإنسان والمراد به ذلك الأصل، وهذا كثير في القرآن، كقوله: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ} [البقرة: آية 61] {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ} [البقرة: آية 55] المخاطب به الموجودون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، والقائلون أجدادهم الموجودون قبلهم بقرون.
وعلى هذا فلا إشكال في قوله: {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ} [الأعراف: آية 11] لأن (ثم) على بابها من الترتيب والمهلة، غاية ما في الباب أنه أطلق الأصل وأراد شموله لفروعه، ونظائره في القرآن كثيرة كما مثلنا.
القول الثاني: هو ما قاله بعض العلماء: معنى {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ} أيها الخلق في أصلاب آبائكم، {ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} هذه الصور العظيمة في بطون أمهاتكم. وهذا من غرائب صنعه وعجائبه؛ لأن تصويره لنا في بطون أمهاتنا فيه من غرائب صنعه ما يبهر العقول، والله في كتابه يُعجّب خلقه كيف ينصرفون عن تصويره لهم في الأرحام، أولاً قال في ذلك: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)} [آل عمران: آية 6] ثم بيّن تصويره لنا في الأرحام بحالة تبهر العقول، ثم عجّب خلقه كيف ينصرفون عن التدبر في هذا!! لأنكم كلكم أيها الحاضرون تعلمون أنه ليس واحد