العَدَمِ فهو استعمال صحيح في لغة العرب مَعْرُوف لا شَكَّ فِيهِ بين العلماء، وقد ذكرنا في الدروس السابقة له أمثلة كثيرة، كقول غيلان ذي الرمة (?):
أُنِيخَتْ فَأَلْقَتْ بَلْدَةً فَوْقَ بَلْدَةٍ ... قَلِيلٍ بِهَا الأَصْوَاتُ إِلا بُغامُها
لأن مراده بالقلة: العدم المحض. يعني: لا صوت بتلك الفلاة ألبتة إلا بُغام ناقته. ومنه بهذا المعنى قول الطِّرِمَّاح بن حكيم يمدح يزيد بن المهلب (?):
أَشَمٌّ نَدِيٌّ كَثِيرُ النَّوَادِي ... قَلِيلُ المَثَالِبِ وَالقَادِحَهْ
يعني: لا مَثْلَبَةَ فِيهِ ولا قَادِحَةَ، وتقول العرب: مَرَرْتُ بأرض قليل فيها البَصَل والكُرَّاثُ. يعنون: لا بَصَلَ ولا كُرَّاثَ فِيهَا ألْبَتَّةَ، ومنه قول الشاعر -وهو شاهد على أن (ما) تأتي موضع (لا) التي لنفي الجنس- في قوله (?):
فَمَا بَأْسَ لَوْ رَدَّتْ عَلَيْنَا تَحِيَّةً ... قَلِيلاً لَدَى مَنْ يَعْرِفُ الحَقَّ عَابُهَا
ولكن هذا الإطلاق وإن كان صحيحاً في لغة العرب فظاهر القرآن يخالفه ويدل على أنه لا يخلو إنسان من شكر في الجملة، إلا أن الشكر القليل مع الكفر الكثير لا ينفع، كما قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِالله إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)} [يوسف: آية 106] وهذا معنى قوله: {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} [الأعراف: آية 10].