فقد قال: (شكرتُك) ولم يقل: شكرت لك، ومنه بهذا المعنى قول جميل بن معمر في شعره المشهور (?):
خَلِيلَيَّ عُوجَا الْيَوْمَ حَتَّى تُسَلِّمَا ... عَلَى عَذبَةِ الأنْيَابِ طَيِّبَةِ النَّشْرِ ...
فَإِنَّكُمَا إِنْ عُجْتُمَا لِي سَاعَةً ... شَكَرْتُكُمَا حَتَّى أُغَيَّبَ فِي قَبْرِي
فقد قال: (شكرتكما) فتحصَّل من هذا الكلام أن الشكر يقع على النعمة بلا حرف جر إجماعاً، وأن شُكْر المنعم يتعدى باللام في اللغة المشهورة، وربما تعدّى بنفسه (?).
وقوله: {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} [الأعراف: آية 10] نعت لمصدر، أي: تشكرون شكراً قليلاً. و (ما) تأكيد للقلة، ولفظة (ما) تأتي لتأكيد النكرة في قلتها وحقارتها. قال بعض العلماء: لا يخلو أحد مِنْ شُكْرٍ في الجملة إلا أنه شكر قليل، والشكر القليل لا يفيد؛ لأن من عمل ببعض الكتاب وترك أكثره كَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ، كما قال: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة: آية 85] وقد قدمنا فيما مضى أن بعض علماء التفسير يقولون: إن القرآن تُطلق فيه القلَّة ويُراد العدم (?). والمراد لا تشكرون النعمة أصلاً؛ لأن المفرِّط المستعمل أغلب نعم الله فيما يسخط الله لا يُعد من الشاكرين، وهذا التفسير مخالف لظاهر القرآن؛ لأن القرآن دل على أن هناك شكراً قليلاً، وهو مخالف لظاهر القرآن؛ ولا تجوز مخالفة ظاهر القرآن إلا لدليل (?) يجب الرجوع إليه من كتاب أو سنة، أما اسْتِعْمَال القِلَّة في