فنقول: نعم، نحن في ذلك الوقت كنا معدومين، ولكنا بعد وجودنا حصل لنا اليقين الجازم، ومدار الشهادة على اليقين الجازم، فما شهدنا إلا بيقين جازم لا تختلجه الشكوك ولا الأوهام؛ لأنك يا ربنا أرسلت إلينا رسولاً كريماً هو خير الرسل وأصدقهم وأعظمهم أمانة، وأنزلت عليه كتاباً محفوظاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فما جاءنا في ذلك الكتاب، وأخبرنا به ذلك النبي الكريم، فنحن نقطع به ونجزم به أشد قطعاً وجزماً مما عايناه بأعْيُنِنَا وسمعناه بآذاننا، وهؤلاء قد قصصت علينا أخبارهم في آياتك المحكمات قصصاً لا يختلجه شك، فهو قطع مجزوم به، فهؤلاء الكفرة قوم نوح قصصت علينا قضيتهم وأذاهم له، وما تحمل من أذاهم، وما نصح لهم من النصح، وما مكث فيهم من الزمن يبلغهم {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً} [العنكبوت: آية 14] وأنه قال: {إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَاراً (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً (7)} [نوح: الآيات 5 - 7] وهؤلاء قوم هود قصصت علينا قصصهم في آيات كثيرة، كقولهم له: {يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} [هود: آية 53] وهؤلاء قوم صالح قصصت علينا أخبارهم في آيات كثيرة، كقولهم له: {يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} إلى آخر الآيات [الأعراف: آية 77]، وقد قدمنا أن هذا معنى قوله: {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة: آية 143] ومن هذا ( ... ) (?).