هنا فيه إشكالاً معروفًا وسؤلاً مشهورًا عند العلماء؛ لأن طالب العلم يقول: كيف يقول: {أَهْلَكْنَاهَا} ثم يقول عقبه {فَجَاءهَا بَأْسُنَا} فكأن البأس لم يأتها إلا بعد أن أُهلكت، والواقع خلافه؛ لأن البأس جاءها وهو إهلاكها. فهذا وجه السؤال.
والجواب عنه للعلماء من أوجه معروفة مشهورة في التفسير:
أحدها: أن الكلام على حذف الإرادة. أي: أردنا إهلاكها بإرادتنا المُصَمِّمَة الأزلية، فنفذنا ذلك، فجاءها بأسنا، وحَذْفُ فعل الإرادة كثير في القرآن جدّاً، كقوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} أي: أردت أن تقرأ القرآن {فَاسْتَعِذْ بِالله} [النحل: آية 98] {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [المائدة: آية 6] أي: إذا أردتم القيام إلى الصلاة فاغسلوا. وحَذْفُ فعل الإرادة معروف في القرآن وفي كلام العرب.
الثاني: أن المراد بقوله: {أَهْلَكْنَاهَا} يعني: حكمنا بإهلاكها. يعني: في سابق أزلنا؛ أي: حكمنا عليها بالإهلاك، وجعلناه قدراً مقدوراً محكوماً به، فجاءها تنفيذاً لذلك القدر {بَأْسُنَا}. وهو قريب من الأول.
[الثالث] (?): أن معنى {أَهْلَكْنَاهَا} أن الإهلاك -والعياذ بالله- هو الخذلان؛ أي: خذلناها وأضْلَلْنَاهَا فلم تتبع ما أنزل الله، ومن خذله الله ولم يوفِّقْهُ فهو الهالك، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور إنه ترك أمَّتَهُ على المحَجَّةِ الْبَيْضَاء، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لا يَزِيغُ عَنْهَا إِلاَّ هَالِك (?). فسمى الزائغ عن الطريق: هالكاً، فمعنى: