وعصى الله ولم يتبع ما أنزل فهو ظالم؛ لأنه وضع الطاعة في غير موضعها، والمعصية في غير موضعها، والله يقول: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [الكهف: آية 50] وكل مَنْ وَضَعَ شيئاً في غير موضعه تسميه العرب (ظالماً) ومن ذلك قولهم للذي يضرب لبنه قبل أن يروب: هو ظالم؛ لأنه وضع الضرب في غير موضعه؛ لأن ضربه قبل أن يروب يضيع زبده، وإضاعة زبده وضع للضرب في غير موضعه، ومنه سُمي الذي يضرب لبنه قبل أن يروب (ظالماً) وفي لُغَز الحريري في مقاماته (?): هل يجوز أن يكون الحاكم ظالماً؟ قال: نعم إذا كان عالماً. يعني بقوله: «ظالماً» أنه يضرب لبنه قبل أن يروب ويسقيه الناس. وهذا المعنى معروف في كلام العرب، ومنه قول الشاعر (?):

وَقَائِلَةٍ ظَلَمْتُ لَكُمْ سِقَائِي ... وَهَلْ يَخْفَى عَلَى العَكَدِ الظَّلِيمُ

قولها: (ظلمت لكم سقائي) يعني سقيتكم إياه قبل أن يروب ويؤخذ زبده. وقوله: (وهل يخفى على العَكَد الظليم) العَكد: عصب مؤخر اللسان؛ لأن اللسان يذوق فيعرف ما نُزع زبده من اللبن وما لم ينزع. ومنه بهذا المعنى قول الآخر (?):

وَصَاحِبِ صِدْقٍ لمْ تَرُبْنِي شَكَاتُهُ ... ظَلَمْتُ وفي ظَلْمِي لَهُ عَامِداً أَجْرُ

يعني: أنه صبَّ سقاءه فسقاه الناس قبل أن يروب، ويقول: ظلمي لهذا السقاء ظلم أُريد به الأجر عند الله، ولذا قال (?):

طور بواسطة نورين ميديا © 2015