لأن الله (جل وعلا) هو العدل الذي لا يأخذ ظلماً: {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: آية 40] فلا يأخذ أحداً بعذاب إلا وهو مستحق كل الاستحقاق لذلك العذاب؛ ولذا القرى التي دَمَّرَها لم تكن عندها دعوى ولا معذرة تقول: يا ربنا إنك ظلمتنا؛ أو عاقبتنا ولم تنذرنا!! لأنه لا يعذب أحداً حتى يقطع حجته ويُعذر إليه من جميع الجهات، كما قال جل وعلا: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: آية 165] فلو كان عذبهم قبل أن ينذرهم لاعتذروا وقالوا: أنت لم تُنْذِرْنَا ونحن جاهلون معذورون، ولكن الله يقول: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} وهذه الحجة التي أشار لها في سورة النساء أوضحها في سورة طه، وأشار لها في سورة القصص، حيث قال في طه: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى (134)} [طه: آية 134] وقال في القصص: {وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)} [القصص: آية 47] فلما قطع عذرهم بالرسل والآيات والمعجزات لما جاءهم الهلاك لم تكن عندهم دعوى يعتذرون بها، ولا حجة يبدونها إلا الإقرار والاعتراف بأنهم الخبثاء الظالمون؛ ولذا قال: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5)} [الأعراف: آية 5] لم يكن عندهم عذر ولا دعوى؛ ولذا قالوا: {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}.

فقوله: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ} قال بعض العلماء: فما كان قولهم؛ لأنهم لا حجة لهم ولا دعوى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015