ربهم في قوله: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} [الأعراف: الآية 3] ونهاهم أن يتبعوا أولياء من دونه -سواءً كانوا من أولياء الشياطين المضلين، أو من أولياء الإنس المضلين- في قوله: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء} ثم سفَّه من اتبع أولياء من دونه فقال: {قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} لما أمر باتباع ما أنزل الله، ونهى عن اتباع غيره حذر هذا التحذير العظيم من اتباع غير ما أنزل الله، وبيَّن أن قبلكم أمماً كثيرةً اتبعت غير ما أنزل الله، وامتنعت من اتباع ما أنزل الله، فأهلكها الله وَدَمَّرَها تدميراً مستأصلاً، وعَذَّبَهَا في الدنيا عذاباً نكراً متصلاً بعذاب الآخرة، يحذر خلقه أن يتبعوا غير ما أنزل لئلا يوقع بهم ما أوقع بمن قبلهم؛ ولذا قال بعد قوله: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء} قال بعد ذلك مهدداً ومخوفاً لمن اتبع غير ما أنزل، وامتنع من اتباع ما أنزل: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5)} [الأعراف: الآيتان 4، 5].

قوله: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ} (كم) في اللغة العربية هنا معناها الإخبار بعدد كثير، ومميزها هو المجرور بـ (من) معناه: وكثير من القرى أهلكناه ودمرناه؛ لأنهم اتبعوا غير ما أنزلنا، وتركوا اتباع ما أنزلنا. فـ (كم) هنا هي الخبرية، والمراد بها: الإخبار بعدد كثير. والمعنى: وكثير من نوع القرية أهلكناه ودمرناه. وإنما أَنَّث الضمير في {أَهْلَكْنَاهَا} لأنه عائد إلى القرية، إلا أن هذه القرية عددها كثير كما دل عليه قوله: (كم) لأنه يخبر بعدد ضخم من القرى الظالمة أهلكها الله ودمرها؛ لأنها لم تتبع ما أنزل. فمعنى: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ} كثير من نوع القرية أهلكناه. و (كم) هنا في موضع رفع على أنها مبتدأ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015