فَجَعْلُهم شهور الحل حراماً هو النسيء الذي كان زيادة في كفرهم إلى كفر آخر، فإذا كان الكافر الذي يسجد للصنم إذا غيَّر حكم الله، وحرَّم ما أحل الله، وأحل ما حرمه الله كفر كفراً جديداً زيادة إلى كفره الأول، فما بالكم بالمؤمن الذي يدَّعي أنه مسلم إذا غيَّر منار الإسلام، وحرَّم ما أحله الله، وحلل ما حرمه الله مدعياً أن تحليل الله وتحريمه تطورت عنه الدنيا، وأن نظام السماء كان لائقاً في ذلك الوقت، وأن ركب الحضارة تقدم عن ذلك، وأنه يحتاج إلى شيء جديد يُلائم التطور الجديد!! هذا كلام المتزندقين الجهلة الذين يزعمون أنهم تقدُّمِيُّون!! وهم أشد الناس تأخُّراً، وأخس الناس عقولاً؛ حيث تنكروا لخالقهم، وسيُقِرُّون يوم القيامة أنهم لا عقول لهم؛ حيث يقولون في جملة إخوانهم: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)} [الملك: آية 10].
فالتقدم كل التقدم -التقدم الحقيقي- هو طاعة خالق السماوات والأرض، وامتثال أوامره، واتباع ما أُنزل إلى النبي الكريم، مع أن هذا الذي أمرنا الله أن نتبعه في قوله: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} [الأعراف: آية 3] يأمرنا بالتقدم في جميع الميادين الحيوية غاية التقدم، ودين (?) الإسلام يأمر الإنسان بأن يكون متقدماً قويّاً في جميع ميادين الحياة، وأن يكون مُتَّصِلاً بربِّه، مُربياً روحه على ضوء تعليم السماء، مُنَوِّراً بصيرته بنور القرآن السماوي، فيكون علمه وعمله مزدوجاً معطياً للجسم نصيبه، معطياً للروح نصيبها، هذا تعليم السماء وأمره الحق الذي لا شك فيه.