الخطأ فلا إثم فيه قطعاً. قالوا: هذا رجل مسلم لزمته دية، وهو لم يقصد سوءاً، ولم يقصد بها ذنباً ولا جريمة، فالله (جل وعلا) أمر عاقلته من أهل ديوانه -ممن يقول بالديوان- أو من عصبته- ممن يقصرها على العصبة- أمرهم أن يساعدوه، وخالق السماوات والأرض يُدبِّرُ على البعض من البعض، ويأمر البعض بمساعدة البعض؛ إكراماً وجرياً على مكارِمِ الأخلاق، كما أمر بأن تؤخذ الزكاة من أغنيائنا وتُرَدّ على فُقَرَائِنَا، فهذه إعانة محض، ومكارم أخلاق جاء القرآن بها معاونة لذلك الإنسان، كما أوْجَبَ الزَّكَاة؛ مساعدةً لِلْفَقِير، وما جرى مجرى ذلك.
أما حديث ابن عمر فَلِلْعُلَمَاءِ عنه أجوبة كثيرة (?)، منها: أنهم حملوه على الميت الذي أوصاهم أن يبكوا عليه؛ أي: عرف أنهم إذا مات يبكون عليه ولم ينههم، وكانت هذه عادة العرب، ويوضحه قول طرفة بن العبد في مُعَلَّقَتِهِ (?):
فَإِنْ مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ ... وَشُقِّي عَلَيَّ الجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ
فهذا إذا شقّت عليه الجيب وبكت عليه فلا إشكال في تعذيبه ببكائها؛ لأنه أمره بها في الدنيا وهو من فعله، وكذلك من علم أنه إذا مات يفعلونه ولم ينههم، فهو مُتَسَبِّب بِعَدَمِ نَهْيِهِمْ.
وقال بعض العلماء: تعذيبه ببكاء أهله أن أهله إذا بكوا عليه أن الله يُطلعه على ذلك ويأسف ويحزن من حزن أهله، إلى غير ذلك من الأقوال، وأظهرها الأول، وهذا معنى قوله: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ