كان يرتزق به، أو علم تضييع القائم بها حقوقها، أو حصولها في غير مستوجبها، ونيته إقامة الحق فيها، جاز له الدخول فيها، ووجب عليه قبولها إذا عُرضت عليه، وطلبها إن لم تُعرض؛ لأنه فرض كفاية لا يتادى إلا به، فتعين عليه القيام به. وكذا إن لم يتعين عليه، وكان أفضل من غيره.
ومنعنا ولاية المفضول مع وجود الأفضل، وإن كان غيره أفضل منه، ولم يمنع تولية المفضول مع وجود الفاضل، فهاهنا يكره له الدخول في الولاية، وأن يسألها.
وجوز بعضهم الطلب، وكره للإمام أن يوليه، وقال: إن ولاه، انعقدت ولايته، وقد خطئ في ذلك؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن وَلَّى رَجُلًا مِن عِصابَةٍ، وفي تلكَ العصابةِ مَن هو لله أَرْضى منهُ، فقدْ خانَ اللهَ، وخانَ رسولَه، وخانَ المؤمنين"، ورواه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (?).
وكره بعض العلماء تولية القضاء مطلقا؛ لأحاديث وردت فيه؛ منها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "القُضاةُ ثلاثة؛ واحدٌ في الجنةِ، واثنانِ في النار" (?) ومنها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ وليَ القضاءَ، فقدْ ذُبِحَ بغيرِ سِكِّين" (?). مع أن بعض العلماء تأوله على المدح، وقال: لاجتهاده في طلب الحق، وبعضُهم على الذم؛ لعجزه غالبًا عن القيام به، وعدمِ المعين له على الحق.