العثمانيه (صفحة 265)

وكيف يجوز أن يكون أكمل الناس خفي العلم ومغيب العمل، وهو لا يكون كذلك حتى تكثر تجربته ويكثر صوابه، ويشتد حلمه، ويحسن تدبيره، ولا بد من كثرة حج وغزو، وصلاة وصوم وصدقة، وذكر وقراءة قرآن، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وحدب على الأولياء وغلظة على الأعداء، إن دام فقره دامت قناعته وقل إسفافه، وإن دام غناه دام بذله وقل طغيانه. وليس من هذا شئ إلا وهو يشهر صاحبه ويظهر للناس مكانه، ويدعو إلى محبته وتعظيمه.

وإن زعموا أنه يجوز أن يكون خير الناس أو أعلم الناس، وإن لم يعرف بشئ مما ذكرنا، فقد صار خير الناس من لم يعمل خيرا قط.

فإن قالوا: فما تقولون إن وجدوا عشرة سواء؟

قلنا: قد يكون أن تجدوا عشرة متقاربين، فإذا صاروا إلى الموازنة بان الأفضل من الأنقص. وقليلا ما يكون ذلك، كما وجدنا الستة الشورى الذين اختارهم عمر والمهاجرون والأنصار معه، فقد كانوا في طبقة واحدة. ولكن أهل الطبقة قد يتفاضلون بأمر بين لا خفاء به، كما نظروا فاختاروا عثمان غير مكرهين ولا محمولين.

ولكن لا يجوز بوجه من الوجوه أن يتفق عشرة سواء في الحقيقة، وعند الموازنة الصحيحة، لأن في اتفاق ذلك بطلان الإمامة. ولو جاز أن يتفق عشرة سواء لجاز أن يكون الرقباء والشهود عليهم سواء. ولو جاز أن تستوي حالاتهم وأفعالهم جاز أن يقولوا لما ينبغي أن يقولوا فيه نعم: "لا" معا، ولما ينبغي لهم أن يقولوا فيه لا: "نعم" معا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015