مجاثاة الفقهاء، وكثرة درس كتب الله وكتب الناس، ومنازعة الخصم ومقاولة الأكفاء. وهذا كله مما يظهر أمره، ويشهر مكانه.
ثم الذي يدخل العالم من خيلاء العلم وعز الحق، وسرور الظفر بما أعيا الناس معرفته، حتى لا يستطيع أن يكتمه وإن اشتد عزمه، وقل رياؤه ونفجه، لأن للعلم سورة، ولانفتاحه بعد استغلاقه فرحة، لا يضبطها بشرى، وإن اشتدت حنكته، وقويت منته، وفضلت قوته.
وإنك لتجد كثيرا من العقلاء يخاطرون بأعناقهم، لبعض العظمة يجدونها في أنفسهم على خصومهم وأكفائهم، حتى لا يمتنعون من إظهارها والفخر بها، فما ظنك بالعالم إذا كان بائنا بنفسه، وكان في دولته، وتعظيم الناس موكل بصاحبه، كيف يستطيع كتمانه وإماتته، مع ما أخذ الله على العالم من حسن الإرشاد واحتمال المؤونة، واستنقاذ الناس من الجهالة، ومن القيام بحق العلم تعليم الجاهل. فهذا كله يغني عن لقاء الكل للكل.
ولو أشكل أمره ولم يبن من أمثاله، وهو للناس أصلح من غيره، فقد أمكن البأس إذ لو كان ظاهرا لهم إقامته لنبه الله على مواضع فضله، ولأذكر الناس ما سقط عنهم من تدبيره، ولبعث الهمم على حبه وطلب محاسنه.