وقع في ظنه، وجرى على لسانه استبعاد أن يجد بعد أولئك الأصدقاء من يماثلهم في إخلاص المودة والوفاء بالعهد.

الإغماض عن عثرات الأصدقاء:

يرى الباحثون في طبائع البشر أن ليس فيهم من يتخذ صديقاً، ويُرْجَى منه أن يسير على ما يُرْضِي صديقه في كل حال، ودَلَّتْهُمُ التجارِبُ على أنَّ الصديق - وإن بلغت صداقته المنتهى - قد يظْهر لك من أمره ما لا يلائم صلة الصداقة؛ فلو أخذت تهجر من إخوانك كلَّ مَنْ صدرت منه هفوةٌ لم تلبث أن تفقدهم جميعاً، ولا يبقى لك على ظهر الأرض صديق غير نفسك التي بين جنبيك.

عرَّف هذا المعنى الشاعر الذي يقول:

ولست بمستبق أخاً لا تُلِمُّه ... على شَعَثٍ أيُّ الرجالِ المهذبُ

والذي يقول:

أُغْمِّض للصديق عن المساوي ... مخافة أن أعيش بلا صديق

والذي يقول:

ومن يتتبعْ جاهداً كل عثرة ... يجدْها ولا يَسْلمْ له الدهرَ صاحبُ

وقد عبر عن هذا المعنى بشار بن برد إذ قال:

إذا كنت في كل الأمور معاتباً ... صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

فعش واحداً أَوْصِلْ أخاك فإنه ... مُقَارِفُ ذنبٍ مرة ومُجَانبه

إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ... ظمئت وأيُّ الناسِ تصفو مشاربه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015