إنك وحينما تنظر في سيرة محمد الله صلى الله عليه وسلم، تدرك مراعاته لهذا الجانب في التعامل مع الآخرين، فلا ينتقم لنفسه، ولا يحمل في ثنايا فؤاده ما يدفعه إلى ذلك أو يدنس قلبه شيء من هذه القاذورات، وتأمل موقفه مع خادمه الصغير أنس بن مالك، وهو في ذلك العمر مظنّةٌ للوقوعِ في التقصيرِ والخطأ، ما قال له رسوله الله أُفٍ قط، ولا لشيء صنعه: لِمَ صنعتَه، ولا لشيء تركه: لِمَ تركتَه. (متفق عليه) والأمثلة من هذه السيرة في هذا الباب وفيرة، وبالاحتفاء والمطالعة للاقتداء جديرة.
وفي كتبُ السيَرِ من الأمثلة البليغة ما حُكي عن بنت عبد الله بن مطيع، أنّها قالت لزوجها طلحة بن عبد الرحمن بن عوف وكان أجود قريش في زمانه: ما رأيت قوماً ألأم من إخوانك! قال: مهْ، ولِمَ ذلك؟ قالت: أراهم إذا أيسرتَ لزموك، وإذا أعسرتَ تركوك! فقال: هذا والله من كرمهم، يأتوننا في حال القوّة بنا عليهم، ويتركوننا في حال الضعف بنا عليهم!.
فانظر كيف تأوّل بكرمه هذا التأويل، حتى جعل