أَيْنَ أَنْتَ يَا أَرْمَان ? أَنْتَ بَعِيد عَنِّي جَدًّا بَعِيد بِجِسْمِك وَبِقَلْبِك لِأَنَّك لَمْ تُهْمِل كِتَابِي اَلَّذِي كَتَبْته لَك وَدَعَوْتُك فِيهِ لِزِيَارَاتِي وَسَمَاع اِعْتِرَافِي اَلْأَخِير إِلَّا لِأَنَّ مَا كَانَ فِي نَفْسك مِنْ العتب وَالْمُوجِدَة عَلَيَّ قَدْ اِسْتَحَالَ إِلَى نِسْيَان وَإِغْفَال فَأَصْبَحَتْ لَا تُذَكِّرنِي كَمَا يَذْكُر اَلْمُحِبّ حَبِيبه وَلَا تَعْطِف عَلَيَّ كَمَا يَعْطِف اَلصَّدِيق عَلَى صَدِيقه فَلْيَكُنْ مَا أَرَادَ اَللَّه وَلْتَدُمْ لَك تِلْكَ اَلسَّعَادَة اَلَّتِي يُنْعَم بِهَا بَيْن أَهْلك وَقَوْمك فَإِنِّي غَيْر واجدة عَلَيْك وَلَا نَاقِمَة مِنْك شَيْئًا وَلَا حَامِلَة لَك فِي نَفْسِي إِلَّا اَلْحُبّ وَالْإِخْلَاص وَالرِّضَا بِكُلّ مَا تَأْتِي وَمَا تَدَع.
لِي عِدَّة أَيَّام لَمْ أُرِ فِيهَا أَحَدًا مِنْ اَلنَّاس لِأَنَّ اَلطَّبِيب مَنَعَنِي مِنْ اَلْخُرُوج وَلِأَنَّ أَصْدِقَائِي اَلَّذِينَ كَانُوا يَعْرِفُونَنِي فِيمَا مَضَى قَدْ أَصْبَحُوا يَقْنَعُونَ مِنْ زِيَارَتِي بِإِرْسَال بِطَاقَاتِهِمْ إِلَيَّ مَعَ خَادِمَتِي ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ مُسْرِعِينَ كَأَنَّمَا يَفِرُّونَ مَنْ أَمْر يُخْفِيهِمْ وَلَقَدْ كَانُوا قَبْل اَلْيَوْم إِذَا أَرْسَلُوهَا لَبِثُوا يَنْتَظِرُونَ اَلسَّاعَات اَلطِّوَال حَتَّى آذَن لَهُمْ بِالْمُقَابَلَةِ فَإِذَا ظَفِرُوا بِهَا طَارُوا بِهَا فَرَحَا وَسُرُورًا وَإِنْ حَرَّمُوهَا عَادُوا آسِفِينَ مَحْزُونِينَ.
وَلَا أَدْرِي لِمَ لَا يَقْطَعُونَ بِطَاقَاتِهِمْ كَمَا قَطَعُوا زِيَارَاتهمْ فَقَدْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ سَيَرَوْنَنِي بَيْنهمْ فِي مُسْتَقْبَل اَلْأَيَّام صَحِيحَة اَلْجِسْم طَيِّبَة اَلنَّفْس أَصْلُح لِلْمُعَاشَرَةِ والمخادنة كَمَا كَانُوا يَعْهَدُونِي مِنْ قَبْل فَهُمْ فِي ظَنّهمْ مُخْطِئُونَ.
لَقَدْ أَحْسَنُوا فِيمَا عَلِمُوا فَإِنَّنِي أَصْبَحَتْ لَا آنَس بِأَحَد فِي اَلْعَالَم سِوَى نَفْسِي وَلَا آنَس بِنَفْسِي إِلَّا لِأَنِّي أَسْتَطِيع مَتَى خَلَوْت بِهَا