أَلا ترَوْنَ أَيهَا النَّاس أَنكُمْ تشيعون غاديا ورائحا إِلَى الله عز وَجل قد قضى نحبه وَانْقطع عمله وأمله فتضعونه فِي بطن قاع من الأَرْض غير ممهد وَلَا موسد قد قطع الْأَسْبَاب وَفَارق الأحباب وواجه الْحساب

وأيم الله إِنِّي لأقول مَقَالَتي هَذِه وَلَا أعلم عِنْد أحدكُم من الذُّنُوب أَكثر مِمَّا عِنْدِي وَلكنهَا سنَن من الله عادلة أَمر فِيهَا بِطَاعَتِهِ وَنهى فِيهَا عَن مَعْصِيَته ثمَّ اسْتغْفر الله تَعَالَى وَوضع كمه على وَجهه وَبكى حَتَّى بلت دُمُوعه لحيته وَمَا عَاد إِلَى مَجْلِسه ذَلِك حَتَّى مَاتَ رَحمَه الله

وَمِمَّا يرْوى من خطبه أَيْضا أَنه قَالَ أَيهَا النَّاس إِن الدُّنْيَا لَيست بدار قراركم وَلَا مَحل إقامتكم دَار كتب الله عَلَيْهَا الفناء وَأوجب مِنْهَا على أَهلهَا الرحيل فكم من عَامر مؤنق عَمَّا قَلِيل ستخرب عِمَارَته وَكم من مُقيم مغتبط عَمَّا قَلِيل سيرحل فَأحْسنُوا رحمكم الله مِنْهَا الرحلة واحملوا خير مَا يحضركم للنقلة وتزودوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى

إِن الدُّنْيَا كظل قلص فَذهب بَيْنَمَا ابْن آدم فِيهَا ينافس وَعَلَيْهَا يضارب إِذْ دَعَاهُ الله بِقَدرِهِ ووافاه يَوْم حتفه فسلبه آثاره ودنياه وصير للآخرين مصانعه ومغناه إِن الدُّنْيَا مَا تسر بِمِقْدَار مَا تضر إِنَّهَا تسر قَلِيلا وتحزن حزنا طَويلا

وخطب الْمَأْمُون يَوْمًا فَقَالَ عباد الله اتَّقوا الله مَا اسْتَطَعْتُم وَكُونُوا قوما صِيحَ بهم فانتبهوا وَعَلمُوا أَن الدُّنْيَا لَيست لَهُم بدار فاستبدلوا بهَا وتعوضوا عَنْهَا

أَيهَا النَّاس اسْتَعدوا للْمَوْت فقد أظلكم وترحلوا فقد جد بكم وَإِن غَايَة تنقصها اللحظة وتهدمها السَّاعَة لجديرة بقصر الْمدَّة وَإِن غَائِبا يحدوه الجديدان لجدير بِسُرْعَة الأوبة وَإِن قادما يقدم بالفوز أَو بالشقوة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015